تحليل سوات الشخصي: لأنك الاستثمار الأهم!

تحليل SWOT الشخصي
تحليل SWOT الشخصي

قبل سنوات قليلة قررت ترك وظيفتي كصيدلانية في مصنع للأدوية لأنتقل إلى العمل الحر بشكل نهائي. لم توافقني زميلتي آن ذاك فقد رأت بأن تلك الخطوة مخاطرة غير محسوبة، لكنها لم تكن تعلم بأن القرار جاء بعد دراسة معمقة ليكون الآن أصوب قرار أتخذه في مساري المهني، وها أنا بعد سنوات أطور معرض أعمالٍ غنيا بفضل التعامل مع عملاء كثر من مجالات مختلفة والحمد لله.

قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي المثابر بأن تلك الدراسة المعمقة كانت لخطة العمل على الإنترنت، لكن الأمر ليس كذلك؛ أؤمن دائمًا بمقولة «أقم النهضة في نفسك تقم في واقعك»، لقد درست نفسي قبل كل شيء، وانشغلت بتطويرها لأنجح في تطوير عملي، السر يكمن في تحليل سوات SWOT الشخصي!

ما هو تحليل سوات؟

تحليل سوات يمثل واحدًا من الأساليب الرائدة في دراسة المشاريع قبل تنفيذها، وذلك من خلال تحليل المشروع من زاويتين مختلفتين:

  • العوامل الداخلية: تشمل نقاط القوة (Strength) والضعف (Weakness)، والتي تساهم في معرفة ما يجب استثماره وتطويره لإنجاح المشروع.
  • العوامل الخارجية: تشمل مجموعة الفرص (Opportunities) والتهديدات (Threats) المحيطة بالمشروع من الخارج، والتي - وإن كانت خارجة عن سيطرته - ستؤثر على أدائه سواء بالإيجاب أو السلب.
مخطط يوضح تحليل SWOT
مخطط يوضح تحليل سوات

ما هو تحليل سوات الشخصي؟

المميز في تحليل سوات هو إمكانية استخدامه بشكل شخصي، أي أنك ستكون أنت العينة التي توضع تحت المجهر للتحليل والدراسة بدلًا من المشروع، أنت الاستثمار الأول. يسمح لك تحليل سوات الشخصي بالتعرف على نفسك لتحدد ما الذي يحتاج منك إلى تشجيع واستثمار أو تطوير وتغيير.

ولكن كيف تُطبق تحليل سوات الشخصي؟ قبل الدخول في تفاصيل التحليل لابد أن تتفق مع نفسك على الصدق وتتخلى عن المراوغة لأن صحة التحليل تعتمد على مصداقية المعلومات. قد يبدو لك الأمر صعبًا في البداية، لكن ثق بأن الصدق لا يدخل في أمر إلا وأعقبه خير كبير فكن شجاعًا.

تعرف على العوامل الداخلية

هنا سنغوص إلى داخلك لنستكشف جوانبك المشرقة والمظلمة:

نقاط القوة

هي مجموعة العوامل الإيجابية التي تتميز بها شخصيتك، يمكنها أن تشمل العديد من العناصر:

  • الصفات الإيجابية: كأن تكون شخصًا ودودًا وصبورًا ومستمعًا جيدًا.
  • المعرفة: تعني العلم الذي تحمله سواء من دراستك الجامعية أو الدورات التي أخذتها.
  • القدرات: تعني الإمكانيات الفطرية التي تحملها شخصيتك دون جهد مسبق منك في اكتسابها، كالقدرة على التعلم بسرعة أو القدرة على الإقناع. هذه كنزك الدفين الذي لابد أن تنقب عنه! 
  • المهارات: هي الإمكانيات التي اكتسبتها أو القدرات التي طورتها وصرت متمكنًا منها، كمهارة التحدث أمام الجمهور بطلاقة أو مهارة الكتابة الإبداعية.
  • الخبرة: هي المهارات التي مارستها لفترة طويلة فأكسبتك معرفة واقعية عميقة تؤهلك للمنافسة وتجعلك أيقونة في المجال.

يمكنك البدء في معرفة هذه العوامل من خلال تحليل الإنجازات. ابدأ بكتابة قائمة إنجازاتك مهما كانت صغيرة؛ ثم اطرح الأسئلة لتحليل كل إنجاز؛ ما المهارات التي استخدمتها؟ ما المسابقات التي شاركت أو فزت بها؟ ما هي شهادات التقدير التي حصلت عليها؟ كيف كانت ردود الأفعال؟

ولا نغفل أيضًا أهمية الاستعانة الأصدقاء. اطلب من المقربين من حين لآخر أن يصفوك بصدق، فأنت غالبًا تحمل مميزات لا تراها. واستغل شعور التقدير الناتج عن ملاحظاتهم الإيجابية كوقود لتطوير نفسك أكثر.

نقاط الضعف

هي مجموعة العوامل السلبية في شخصيتك، قد لا تكون سلبية في ذاتها، لكن تأثيرها على حياتك سلبي حتمًا:

  • الصفات السيئة: كأن تكون عنيدًا بشكل مفرط. لاحظ هنا بأن العناد أمر غير سلبي في ذاته فهو شيء إيجابي إذا تعلق بالإصرار على تحقيق الهدف مثلًا.
  • العادات السيئة: هي التصرفات السلبية التي مارستها لفترة حتى صارت جزءً من يومياتك، كعادة السهر أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بغير فائدة.
  • افتقاد المهارات الأساسية: هنالك بعض المهارات التي لابد أن نتعلمها جميعًا نظرًا لتأثيرها المباشر على معظم جوانب الحياة؛ كمهارة تنظيم الوقت.

يُمكنك اكتشاف هذه العوامل بنفسك. راقب نفسك وابدأ بسؤالها؛ ما المهارات التي تنقصني؟ وهل تجنبت من قبل القيام بإحدى المهام؟ ولماذا؟ بعد ذلك حلل محطات فشلك، واكتب قائمة لأهم الأهداف التي أردت تحقيقها سابقًا مهما كانت صغيرة، ثم اسأل؛ ما العوائق الشخصية التي منعتني من تحقيقها؟

ويُمكنك هنا أيضًا الاستعانة بالأصدقاء، اسأل المقربين والزملاء أيضا عن التصرفات والصفات المزعجة التي يرونها فيك بصدق. مقولة «رحم الله امرئًا أهدى إلي عيوبي» لم تكُن تقال عبثًا. ومن المهم أن نتفق عزيزي المثابر على أن إدراك نقاط ضعفك قد يؤلمك لبعض الوقت، لكنه الخطوة الأولى لتصبح أفضل.

ادرس العوامل الخارجية

الآن سنخرج من داخل المُثابر لنستكشف ما حوله ونعرف تأثيره عليه:

الفرص

هي كل الأمور الإيجابية المتعلقة بالبيئة والأشخاص المحيطين بك والتي تستطيع استغلالها لمصلحتك. تتمثل في:

  • العلاقات: كانت دائرة معارفي سببًا في حصولي على أكثر من فرصة عمل! شبكة العلاقات القوية والمتنوعة من أهم مقومات النجاح.
  • الدعم: لو كنت طالبًا في الجامعة وكان والدك متكفلًا بمصاريفك، فهذه فرصة لتجرب العمل الحر بأريحية وتجتاز مراحله الأولى التي تتميز عادةً بالتذبذب. لا تنس أن تكرمه بعد نجاحك في هذا المسار.
  • الأحداث: ظهور تحديثات جيدة في برامج تستخدمها أو طرح تخفيضات في دورات معينة.

التهديدات

هي العوامل الخارجية التي قد تعيق تحقيق أهدافك أو الاستفادة من الفرص، لذا من المهم أن تكون واعيًا بها لتجنبها أو تتعامل معها بفعالية. يمكن أن تشمل التهديدات: 

  • الظروف الشخصية: كالمرض أو المناسبات العائلية أو السفر.
  • الظروف المتعلقة بالهدف: إذا كان هدفك أخذ دورة تصميم مثلًا، فأولى العقبات هي تأمين المال للدورة وشراء البرنامج المناسب.
  • نقاط الضعف: تلك التي اكتشفتها في نفسك يمكنها أن تكون تهديدات في الوقت نفسه فتضيع عليك الكثير من الفرص.

هذه الفرص والتحديات على اختلافها يمكن معرفتها بخطوات بسيطة؛ مثل مراقبة ما حولك، البحث عن الأمور التي تهمك، ومتابعة شبكة علاقاتك والأحداث المحيطة بك.

الآن وبعد إجراء هذا التحليل المتكامل ستصبح نظرتك عن نفسك وما حولك أوضح من أي وقت مضى. لكن لأننا نحرص في مثابر على الجانب المتعلق بالأعمال على الإنترنت، فلابد من طرح سؤال جوهري في الموضوع:

كيف يفيدك التحليل في العمل الحر؟

في الواقع، ستحتاج إلى تحليل سوات الشخصي قبل تقديم خدماتك أو إطلاق مشروعك الخاص لأن المعرفة العميقة بنفسك ستمكنك من فهم الميدان لتحقيق المكاسب.

قرارات حكيمة

إذا طلب العميل تصميمًا خلال ساعة وأنت لا تجيد العمل تحت الضغط فلا تخاطر بعرض خدمتك عليه، معرفة نقاط ضعفك تساعدك في اختيار العمل المناسب وتجنب إضاعة الوقت.

عروض أكثر إقناعًا

حين تدرك نقاط قوتك ستعرف ما الذي يمكنك إضافته للعمل مقارنة بمنافسيك، وهذا سيساعدك على إقناع العملاء بعروضك.

تقييمات إيجابية

إذا كنت تفتقد مهارة التواصل مثلًا، فقد تحصل على تقييمات سلبية تُفقدك فرص العمل مع عملاء جدد مستقبلًا! لذلك من المهم أن تطور نفسك لتقدم تجربة عمل مريحة فتكسب تقييمات إيجابية تعزز من تواجدك الرقمي.

تهديدات تنقلب فرصًا

قد يبدو هذا غريبًا، لكن التهديدات في حقيقتها فرص لمن أتقن تحليل سوات الشخصي! إذا كنت تواجه منافسة قوية، فهي فرصة لتقوم بعصف ذهني يساعدك على الابتكار. كما أن الركود في بيئة العمل يمكن أن يكون فرصة لتطوير مهاراتك وتجديد خدماتك لجذب عملاء جدد. دراسة التهديدات تمكننا من اكتشاف الفرص الرائعة التي نغفل عنها.

تطور أكبر - فرص أكثر

مع إجراء التحليل من حين لآخر ستتعرف على مستوى تقدمك سواء في اكتساب نقاط قوة جديدة أو تحسين الجوانب الضعيفة فيك، ما يجعلك مؤهلًا للتقديم على المشاريع وإقناع عملاء أكثر.

عملاء دائمون

راسلني يومًا عميل فاضل يطلب خدمة احترافية بسعر زهيد جدًا، لكنه انفعل حين أخبرته بسعرها الحقيقي فوضع شروطًا كثيرة مقابل المبلغ، ولأنني أعرف نقاط تميزي وأجيد الحوار الهادئ تمكنت من احتواء انفعاله وإقناعه بعرضي ليتحول بعدها إلى عميل دائم! حين يلمس فيك العملاء ثقة ومعرفة بقدراتك ويعيشون معك تجربة عمل مريحة سيتحولون غالبًا إلى عملاء دائمين.

حين قرأت كتاب «الأب الغني والأب الفقير» لفتت انتباهي فقرة رائعة بقيت عالقة في ذهني؛ تقول بأنه في ثقافات شرق آسيا ثمة أنواع ثلاثة للقوة: العلم والمال والمرايا، والمرايا يُقصد بها معرفة الذات!

الآن وبعد معرفة تحليل سوات الشخصي وحجم تأثيره على المسار العملي للإنسان، بات من الواضح عزيزي المثابر أن تلك الثقافات كانت محقة في تصنيفها، بل ويمكننا تعزيزها بحقيقة أن قوة المرايا سبب في اكتساب قوة المال! لذا دع كل شيء الآن وخض رحلة ممتعة إلى عوالمك الرائعة لتبني أعمالًا ناجحة على الإنترنت.