اختيار النيتش: أسس مكانتك المميزة في السوق

إحدى لحظاتي السعيدة هي عند شراء العطور؛ لكنها أيضًا لحظات قاسية على أنفي، الذي يجد نفسه عالقًا في دوامة من روائح الكحول. استوقفني ذات مرة رائحة عطر ما؛ وسألت عنه، فقيل لي أنه عطر نيتش (Niche). وهي عطور بكميات محدودة موجهة لفئة صغيرة من أصحاب الذوق الفريد. لكن ما لم أكن أعلمه وقتها؛ أن النيتش لا يقتصر على العطور فقط، بل هو عالم من الأعمال!

ما هو النيتش؟ 

النيتش هو سوق متخصص يقدم منتجات أو خدمات لفئة محددة من الجمهور، بناءً على احتياجاتهم واهتماماتهم الخاصة. وغالبًا ما يكون لديهم استعداد لدفع المزيد مقابل حلول تلبي احتياجاتهم. ولا يقتصر النيتش على العلامة التجارية فقط؛ بل هو هام بالنسبة لك عند بناء علامة تجارية شخصية أيضًا.

رأيت مدونة إلكترونية تتحدث فقط عن كيفية الاهتمام بالأحذية الرجالية الكلاسيكية!

لكن هل يقتصر النيتش على المدونات فقط؟ بالطبع لا عزيزي المثابر! رغم أن اختيار النيتش هو أحد أهم الخطوات التي يُنصح باتباعها قبل إنشاء مدونة على الإنترنت. ولكن إذا نظرنا إلى المشاريع الرقمية بنظرة واسعة، سنجد أن النيتش عنصرًا أساسيًا في أغلب المشاريع الناجحة.

يُمكنك أن تجد قنوات يوتيوب ناجحة بفضل تخصصها في نيتش متخصص، بل يصل الأمر أيضًا إلى مشاريع البودكاست، فأنا مثلًا أتابع أحد برامج البودكاست الذي يتخصص في سلاسل الإمداد ضمن إدارة الأعمال! ولا يتوقف النيتش عند صناعة المحتوى فقط، بل إنه مُمتد إلى مشاريع تطوير المنتجات الرقمية.

فإذا كنت مُبرمجًا تصنع تطبيقات وتبيعها على متجر بيكاليكا للمنتجات الرقمية، سيكون من الأفضل أن تتخصص في نيتش مُحدد. على سبيل مثال، يُمكنك تطوير تطبيقات مُوجهة لإدارة المنشآت الطبية والصيدليات. وذلك إذا تمكنت من تحديد إحدى نقاط الألم في هذا النيتش مع القدرة على مكافحتها بتطبيقاتك!

ما فائدة النيتش لمشروعك الرقمي؟

في الغالب، إذا نظرت إلى أي سوق ستجد أن له عمالقته ويمتلئ بالمنافسين. وهنا يأتي دور النيتش الذي سيميزك في ذلك السوق. لأنه سيكون واضحًا وجاذبًا لمجموعة صغيرة من العملاء الوفية. والتي لديها استعداد لدعمك، لأنك تلبي احتياجاتهم بشكل فريد ومتخصص. وبذلك فقد كونت قاعدة عملاء؛ ستعمل على ترشيحك لمن يواجهون مشاكل مماثلة.

مجال تحبه!

عزيزي المثابر؛ قبل أن نتطرق لكيفية اختيار النيتش. يوجد نقطتين هامتين: 

الأولى: أن تختار مجالًا تحبه! نظرًا لتخصص ذلك المجال، فإنك ستبذل الكثير من الوقت لتطويره واكتساب الخبرة اللازمة فيه. ومن الصعب أن تبذل ذلك الوقت في شيء ما لا تحبه. بالإضافة إلى ذلك؛ حدد المجالات التي تتقاطع فيها اهتماماتك مع نقاط قوتك. هذا سيساعدك على فهم عملائك والتواصل معهم بطريقة أكثر عمقًا.

الثانية: أن يكن لديك خبرة كافية! النيتش استراتيجية متخصصة، لذا تحتاج لأن تكون خبيرًا في مجالك لاكتساب ثقة وولاء عملائك.

كيف أحدد النيتش؟

ابدأ في كتابة قائمة بكل الأفكار التي لديك بعد جلسة عصف ذهني إذا تطلب الأمر. وتساءل هل هناك منتجات معينة بحثت عنها على الإنترنت دون جدوى (أو وجدتها ولكنها نادرة جدًا أو باهظة الثمن)؟ ثم ابدأ في البحث لإعداد دراسة جدوى لتلك الأفكار، واستخدم تحليل SWOT حتى تتكون عندك رؤية شاملة للفكرة وقابلية تنفيذها بالصورة الأمثل. 

هل من أحد هنا؟

ربما تحدد نيتش لشيء تحبه، لكن هل هناك طلب عليه؟ على الرغم من أن النيتش هو سوق متخصص، لكن يجب أن يكون جمهوره كبير بما يكفي لتحقيق الأرباح. لذا؛ ابدأ بدراسة السوق لمعرفة مقدار الطلب على مجالك، ومن هم الأشخاص المهتمون به.

جوجل رفيقك

تقدم جوجل أدوات يمكنك من خلالها أن تعرف مدى جدوى مجالك؛ وهي خطوة ضرورية يجب التركيز عليها قبل البدء في أي عمل عبر الإنترنت. لا بد أن تتأكد أولًا عزيزي المثابر أن النيتش الذي اخترته سيكون مربحًا. وذلك من خلال فحص الجمهور المحتمل لهذا النيتش.

مؤشرات جوجل Google Trend: ابحث بعدة كلمات مفتاحية تعبر عن المجال الذي اخترته، وتابع مدى اهتمام الجمهور المستهدف به بمرور الوقت. يساعدك ذلك في تصفية الأفكار التي كان الطلب عليها عابرًا والتركيز على الأسواق ذات الطلب المستمر.

مخطط الكلمات الرئيسية من جوجل: تحتوي تلك المنصة على العديد من الأدوات التي تساعدك؛ إذ يمكنك معرفة متوسط عدد الأشخاص الذين بحثوا عن مجال معين في فترة زمنية معينة. وذلك من خلال كلمات مفتاحية تعبر عن المجال الذي تبحث عنه. كما يمكن للأداة اقتراح كلمات مفتاحية طويلة (Long-tail Keywords) تُلهمك إلى أفكار أو توسعات أخرى.

من معي في تلك الغرفة الصغيرة؟

ربما تكون فكرتك هي الأولى من نوعها؛ فكل شيء حولنا كانت له ولادةٌ أولى. لكن يمكن أن يُشاركك الفكرة عدة منافسين أيضًا! لذا؛ ابدأ في متابعتهم على جميع منصاتهم، وجرب منتجاتهم وخدماتهم إذا أمكن ذلك. إذ سيوفر لك فرصة التعرف على مزاياهم وعيوبهم. فمن يدري؟ قد تتوصل إلى نقطة ألم شائعة في هذا النيتش تُصبح نقطة انطلاقك! 

يمكنك أيضًا متابعة العديد من الأسواق المتخصصة المختلفة عن مجالك؛ كي تتعلم وتستلهم من تجاربهم وخططهم التسويقية الاستراتيجية. كما أن التعرف على التحديات التي يواجهونها قد يساعدك في تجنب أخطاء مشابهة في مجالك الخاص.

جمهوري الصغير

لأن جمهورك صغير، فمن الضروري دراسته ومراقبته عن كثب لفهم احتياجاته بشكل أعمق. يمكنك تحقيق ذلك عبر متابعة آرائهم وتقييماتهم لمنتجات وخدمات المنافسين. مع الانضمام إلى المجموعات والصفحات التي تجمعهم على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المجتمعات الرقمية المستقلة إن وُجدت.

ويظل الهدف النهائي هو معرفة اهتمامات جمهورك، ونقاط آلامهم، وما يبحثون عنه. فمن خلال هذه الرؤى، ستتمكن من تحديد القيم والمزايا الفريدة التي ستميز علامتك التجارية وتجعلها أكثر جاذبية لمتابعيك.

أخيرًا، اسأل نفسك. هل يلبي النيتش الذي اخترته احتياجات جمهورك ويعالج نقاط الألم التي يواجهونها؟

ولكن مثل ماذا؟

في كل سوق رئيسي حولنا، هناك أسواق نيتش تستهدف فئات محددة. على سبيل المثال:

• مجال الألعاب والترفيه: هناك نيتش متخصص حول ألعاب الذكاء وحل الألغاز. شخصيًا أعشق هذه الألعاب، بل إنني أُتابع إحدى قنوات اليوتيوب المُتخصصة في ألعاب الألغاز. كما أحرص دومًا على اقتناء ألعاب وألغاز جديدة!
• مجال البرمجة: هناك نيتش دقيق في البرمجة يُخاطب نظام الووردبريس وتقنياته المتخصصة؛ مثل موقع ومجتمع عرب ووردبريس.

يمكن للصغير أن يكبر

عزيزي المثابر، دخولك عالم الأعمال من خلال نيتش لا يعني أبدًا أن مشروعك سيبقى صغيرًا. بل على العكس، التخصص هو نقطة الانطلاق وليس النهاية! قد يكون نجاحك في نيتشك هو ما يجذب إليك جمهورًا جديدًا لم يكن يعلم أنه بحاجة إلى منتجك أو خدمتك حتى رآها. ومع مرور الوقت، يمكنك توسيع نطاق أعمالك تدريجيًا، لتصبح أقل تخصيصًا بعد أن تبني قاعدة عملاء قوية وراسخة في مجالك.

المفتاح هنا هو أن تبدأ، تركز على جمهورك، وتقدم لهم قيمة حقيقية. وإن لم تنجح في اختيارك للنيتش، كن مُثابرًا وحاول مجددًا. فالتجربة خير مُعلم.