السوق المستهدف: بوصلة النجاح للحملات التسويقية على الإنترنت

السوق المستهدف
السوق المستهدف

عندما كنت صغيرة كان أبي يأخذني أنا وأخي الأصغر في رحلة من أمتع رحلاتي الطفولية. وهي رحلة إلى شارع الألعاب! أو هكذا كنت أسميه. كان شارعًا طويلًا جدًا، يكتظ بمتاجر الألعاب فقط! لم يتخلل ذلك الشارع أي نوع آخر من السلع؛ لأن كل من يفكر في تأسيس محل هناك، يعرف تمامًا أن ذلك المكان لن يناسبه إلا إذا أتى حاملًا الألعاب. فهذا الشارع له سوقه المستهدف!

السوق المستهدف: بوصلة أعمالك عبر الإنترنت

لديك الآن منتجات أو خدمات وترغب بتسويقها وبيعها. أول سؤال ستطرحه سيكون من هم عملائي؟ والسوق المستهدف هو من يجيب على ذلك السؤال.

وذلك لأنه يُمثل فئة أو مجموعة من الأشخاص الذين قد يرغبون بشراء منتجاتك أو خدماتك. ويتميزون باشتراكهم في بعض الخصائص الديموغرافية والاحتياجات. أي أنك تستهدف الأشخاص الذين يواجهون مشكلات قد تحلها منتجاتك أو خدماتك. بالتالي هو البوصلة التي تساعدك على بناء استراتيجية تسويقية فعالة.

وفي الواقع معرفة السوق المستهدف ليست مهمة في التسويق الرقمي فقط؛ بل هي الأساس الذي تقوم عليه كل أنشطة عملك، من المنتج الذي تطوره إلى الحملات التسويقية التي تبنيها. لذلك يجب أن يكون هذا المفهوم حاضرًا في مرحلة التخطيط لمشروعك.

«الافتراض أن الجميع هم عملائك خطأ شائع لا تقع فيه».

ما أهمية تلك البوصلة؟

عزيزي؛ دعني أقص عليك ظاهرة تسويقية غريبة. في شهر رمضان من كل عام؛ تمطرنا شركات الإنتاج بمسلسلاتها. لكن ما يستفزني ليست المسلسلات، بل الإعلانات! مثلًا إعلان لمجمعات سكنية فاخرة  بأسعار خيالية؛ حقًا؟ من يهتم؟ هل يمكن للأثرياء مشاهدة الإعلانات التي تقاطع الحلقات لمدة أطول من الحلقات نفسها؟ بالطبع لا؛ بل يفضلون المشاهدة عبر منصات مدفوعة لتجنب الإزعاج.

وذلك أوضح مثال في عالمنا العربي على أن هؤلاء لا فكرة لديهم إطلاقًا عن السوق المستهدف وتباعًا الجمهور المستهدف. فبدلًا من تسويق فعال، يجبرون المشاهدين ويزعجونهم! وهذا ما لا نرغب به؛ لذا دعني أخبرك أهمية تحديد وفهم السوق المستهدف.

توفير مواردك الثمينة

عند تحديد سوقك المستهدف ستتمكن من تخصيص مواردك في المبيعات والتسويق بفعالية. أي أنك ستتجنب إهدار أيًا من مواردك؛ سواء كانت وقت أو مال أو جهد على عملاء غير مهتمين بما تقدمه.

«كلما كان سوقك المستهدف واسع وعام كلما زاد استهلاكك لمواردك».

من أجل عميلك!

جوهر فهمك للسوق المستهدف هو تفصيل كل شيء على مقاس العميل بدايةً من منتجك إلى حملتك التسويقية. بالتالي يشعر العميل أن كل شيء مُخصص لأجله وكأنك تتحدث إليه إليه مباشرةً. أي أنك تفهم مخاوفه ونقاط ألمه وتقدم منتجاتك أو خدماتك كأفضل حل لمشاكله.

معدلات تحويل أعلى

وهي ببساطة يا عزيزي محاولة تحويل العملاء المحتملين إلى عملاء فعليين. وذلك هو ما نسعى من أجله في الواقع. والذي سيأتي نتيجة توجيه أنشطتك التسويقية نحو من يهتم بما تقدمه بالفعل. 

رضا عملائك

إذا كنت تفهم سوقك المستهدف ستتمكن من إرضاء عملائك والحفاظ على علاقة طويلة الأمد معهم. ولذلك العديد من المزايا من أجل أعمالك مثل إعادة الشراء مرة أخرى، ووضع تقييمات إيجابية على مشروعك. ناهيك عن التسويق الشفهي (Word of Mouth) ونشر العملاء للسمعة الطيبة بين علاقاتهم عما تُقدمه من مزايا. وكل ذلك يسهم في ازدهار أعمالك وزيادة مبيعاتك.

أنت أكثر من يفهمهم

فهم السوق المستهدف والعمل على تقديم ما يناسبه ليس سهلًا يا عزيزي المثابر. بل يحتاج الكثير من البحث والمثابرة. لذا؛ إن اهتممت به كما ينبغي سيصبح لديك ميزة تنافسية رائعة. لأن العملاء سيشعرون أنك أكثر من يفهمهم، وتصبح خيارهم المُفضل. وذلك لأنك فعلًا ستتمكن من تقديم قيمة فريدة لهم.

مساعدتك في أبحاثك

وجود سوق مستهدف محدد بدقة يمكن أن يساعدك في أبحاثك عنه. لأنك ستركز على مجموعة محددة من العملاء؛ وتجمع رؤى حول احتياجاتهم وتفضيلاتهم وسلوكيات شرائهم. بالتالي تتمكن من تحسين حملاتك التسويقية أو حتى منتجاتك وخدماتك.

السوق المستهدف مقابل الجمهور المستهدف

يستخدم السوق المستهدف والجمهور المستهدف بالتبادل، لكن هناك فرق بينهم. ببساطة شديدة؛ السوق المستهدف يحتوى على أكثر من شريحة للجمهور المستهدف. ولكل شريحة حملات تسويقية ورسائل مختلفة. على سبيل المثال؛ لديك دورة تدريبية عن التسويق الرقمي، السوق المستهدف هو الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة المهتمة بتحسين مهاراتهم في التسويق الرقمي لزيادة المبيعات والوعي بالعلامة التجارية، ويتضمن الشرائح الآتية من الجماهير المتسهدفة:

  • الجمهور المستهدف (1): الأشخاص الذين بدأوا للتو في وظائف التسويق الرقمي ويبحثون عن دورة تدريبية شاملة لتغطية الأساسيات.
  • الجمهور المستهدف (2): أصحاب الأعمال على الإنترنت الذين يرغبون في تعلم كيفية التسويق لأعمالهم بأنفسهم دون الحاجة إلى توظيف وكالة تسويق.
  • الجمهور المستهدف (3): أصحاب العلامة التجارية الشخصية الذين يرغبون في معرفة أساسيات التسويق كي يتمكنوا من التسويق لأنفسهم.

«لا تُفرط في تضييق السوق. تذكر أنك تستطيع استهداف أكثر من شريحة».

كيفية تحديد السوق المستهدف

ما تحتاج إليه الآن هو البحث والتحليل. وذلك من خلال عدة خطوات:

ابدأ بالأقرب إليك!

أول خطوة هي تحليل المنتج أو الخدمة التي تقدمها. يجب أن تعرف من الذي سيستفيد منها عبر طرح الأسئلة المناسبة. ابدأ أولًا بتدوين خصائص المنتج أو الخدمة متضمنةً المزايا. ولا شيء أفضل من إجراء تحليل SWOT الرباعي حتى تنظر إلى ما تقدمه بنظرة تحليلة مُعمقة تشمل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات.

انظر حولك

والآن يا عزيزي لنحلل المنافسين! وكي تفعل ذلك عليك البحث عن كل ما يخصهم. وابحث إذا كان بإمكانك تحديد جزء من السوق يمكنك التركيز عليه قد يفتقده منافسوك. ثم اطرح الأسئلة:

  • ما هي تفاصيل منتجاتهم؟
  • ما هي مزاياها وما هي عيوبها؟ 
  • ما استراتيجياتهم التسويقية؟
  • كيف كان أداء حملاتهم؟
  • من هو سوقهم المستهدف؟
  • كيف كانت مبيعاتهم؟ وما هي استراتيجيتها؟

الإجابة على تلك الأسئلة قد يساعدك على إيجاد فجوات في السوق يمكنك استهدافها. وربما تكتشف سوق جديد تمامًا (نيتش) تتميز فيه وحدك. أيضًا تابع ما يقوله عملاء منافسيك، ما انطباعاتهم الإيجابية أو حتى السلبية؛ سيساعدك ذلك في تلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.

تقسيم السوق المستهدف

في غالبية المرات التي رأيت فيها تصميمًا يصف السوق المستهدف كان للوحة سهام. وهي تعبر فعلًا عن هذا المفهوم. من خلال تقسيم السوق إلى شرائح، مثل لوحة الأسهم بالضبط. إذا كانت منتجاتك الرقمية هي منصة تقدم دورات تدريبية في البرمجة؛ إذَا فإن السوق الواسع الذي ستعمل على تقسيمه هو جميع الأفراد والشركات الذين يرغبون في التعلم أو التطوير. وهذا يا عزيزي سوق واسع جدًا لا يمكن استهدافه.

بالتالي سنبدأ في تقسيمه إلى مجموعات أصغر تُسمى «شرائح السوق». وذلك بناءً على خصائص مشتركة بين العملاء بهدف فهم التوجهات المختلفة لكل شريحة، وبالتالي تصميم استراتيجيات تسويقية مخصصة لكل شريحة. وذلك على النحو التالي:

 تقسيم ديموغرافي يتضمن العمر، الجنس، الوظيفة، الجنسية، الدولة، الدخل، المستوى التعليمي:

  • طلاب جامعيون يرغبون في تطوير أنفسهم بجانب التعليم الأكاديمي، ولديهم دخل منخفض.
  • الشباب الخريجين الذين يرغبون في الالتحاق بالوظائف.

تقسيم جغرافي يتضمن اللغة المحلية، التوقيت، العملة المحلية، العوامل الاقتصادية:

  • التركيز على الدول الناطقة بالعربية التي تشهد نموًا في قطاع التكنولوجيا.
  • توفير خيارات دفع مختلفة تتناسب مع العملات المحلية في مختلف البلدان.
  • التعرف على القنوات الرقمية التي تناسب كل دولة (إنستقرام، تيك توك، واتساب).

التقسيم النفسي الذي يتضمن نمط الحياة والطبقة الاجتماعية:

  • الذين يرغبون في الحصول على رواتب أعلى.
  • الذين يحبون حل المشكلات والتفكير المنطقي.
  • المهتمون بالتطوير الشخصي والتعلم المستمر.

التقسيم السلوكي الذي يتضمن عادات الشراء وأنماط اتخاذ القرار:

  • الأفراد الذين يبحثون عن دورات تدريبية مكثفة لإتقان لغة برمجة معينة.
  • الباحثين عن أسعار مخفضة في المناسبات الوطنية والأعياد.

«يمكن أن تختلف معايير التقسيمات من سوق إلى آخر».

اصنع شخصية للمشتري (Buyer Persona)

شخصية المشتري هي شخصية خيالية تمنحك صورة عن شخصية عملائك المثاليين. فبدلًا من التعامل مع البيانات المجردة؛ نوظفها في بيرسونا. بالتالي تلك الصورة «ذات الطابع الإنساني» تساعدك على رؤية العالم من وجهة نظر عميلك.

يمكن استخدام البيرسونا عند تحليل شرائح السوق المستهدف، حيث نبني بيرسونا عامة لكل شريحة لفهم خصائصها الرئيسية حتى تعبر عن الجمهور المستهدف بكل شريحة. كما يمكن أيضًا عمل العديد من البيرسونات المختلفة داخل كل جمهور مستهدف للتعبير عن احتياجاته المختلفة ونقاط ألمه.

سوق مستهدف ⬅ شرائح مختلفة ⬅ بيرسونا تمثل الجمهور المستهدف بكل شريحة

على سبيل المثال السابق في منصة دورات تدريبية عن البرمجة سيضم السوق المستهدف كل مستخدمي الإنترنت المهتمين بتعلم البرمجة. وعند تقسيم هذا السوق إلى الشرائح، سيكون عندنا شريحة هامة تتضمن الطلاب الجامعيين المهتمين بالبرمجة. والآن، لنضع معًا بيرسونا تعبر عن هذا الجمهور:

أحمد طالب جامعي طموح في علوم الحاسب من السعودية، يبحث عن دورات تدريبية عالية الجودة وبأسعار معقولة عبر الإنترنت لمساعدته على إتقان مهارات البرمجة المطلوبة في سوق العمل وتحقيق أهدافه المهنية.

بهذه الطريقة يُمكنك صياغة حملات تسويقية تُخاطب أحمد (البيرسونا)، وهنا سيشعر كل فرد ضمن هذا الجمهور أنك تخاطبه وتشعر بمشاكله وتُقدم له حلولًا فعالةً كان ينتظرها!

«ليس عليك أن تمتلك الكثير من البيرسونات ولا القليل منها؛ الأهم هو قوتها ومدى دقتها في تمثيل العميل».

ابحث

بعد أن بدأت ملامح السوق المستهدف في الوضوح؛ ابدأ بالبحث عن ذلك السوق كي تعلم هل هو مناسب اصلًا؟ هل السوق المستهدف كبير بما يكفي كي تحقق أرباح؟ هل عدد الأشخاص الذين تنطبق عليهم المعايير قليل جدًا؟ وإذا كانت الإجابة نعم فأنت بحاجة إلى إعادة النظر. وستساعدك البيرسونا على ذلك جدًا. 

ابدأ بأبحاث مكتبية عن ذلك السوق المستهدف؛ من خلال قراءة المقالات والاستطلاعات والدراسات على الإنترنت. كذلك اطلع على الإحصائيات من مصادر موثوقة مثل Statista حول السوق المستهدف وشرائحه المختلفة التي حددتها. فعلى سبيل المثال السابق، ستحتاج إلى جمع إحصائيات عن وظائف البرمجة، ورواجها في الوطن العربي، وفرصها في المستقبل.

ومن خلال البيرسونات يمكنك البدء في البحث عن الأشخاص الحقيقية للبيرسونات على الإنترنت. وذلك من خلال المجتمعات الرقمية والمجموعات على وسائل التواصل. ويمكنك الاعتماد على مجموعات التركيز (Focus Groups). وهي أن تجمع من 6 إلى 10 أشخاص تنطبق عليهم معايير التقسيم، وتطرح الأسئلة عليهم وتفتح باب للمناقشة؛ لبهدف جمع البيانات حول آراء العملاء ومشاعرهم وتجاربهم.

لا شيء ينتهي حقًا!

عملية تحليل السوق المستهدف لا تنتهي عزيزي المثابر؛ إذ يجب عليك أن تستمر في التحليل. وذلك من خلال متابعة وتقييم النتائج من استراتيجياتك التسويقية، وذلك بمراقبة ردود أفعال العملاء وسلوكهم دوريًا. ونتيجةً لذلك سيصبح استهدافك أفضل للسوق في كل مرة.

لأنه ربما تكتشف من خلال التحليلات والنتائج أن استراتيجيتك التسويقية بحاجة إلى تعديلات. أو أن شريحة معينة من السوق ليست مناسبة لتركز عليها ضمن سوقك المستهدف. لذا؛ كن مرنًا في التعامل معه.

وأخيرًا يا عزيزي؛ كل مراحل التسويق الناجح بحاجة إلى استمرارية في التعلم والتطبيق. كلما زادت محاولاتك ومثابرتك فيه، كلما زادت براعتك وخبرتك. وتذكر أن تسويق المنتجات والخدمات الرقمية يتطلب فهمًا عميقًا لمن تخاطب، لهذا لا تنسَ الاطلاع على مقالنا عن الجمهور المستهدف. ودمت مثابرًا💚