شعور غريب تملكني عندما قرأت مصطلح التسويق الوردي، لا أعلم حقيقة أكان السبب هو تخصيص اللون أم تخصيص التصنيف ذاته. ولكنني شعرت أن هذا الشعور الغريب سيؤثر في طريقة استجابتي أنا وكل امرأة غيري تستقبل استراتيجياته المختلفة. في هذا المقال، سنتحدث عن التسويق الوردي وأخلاقياته، كما سنستعرض مبادئ هذا النوع من التسويق ومدى تأثيرها بالإيجاب أو السلب على الجمهور النسائي.
لماذا سمي بالتسويق الوردي؟
صراحة، هذا أول سؤال تبادر إلى ذهني. لم أهتم بتعريف المصطلح أو تاريخ نشأته أو أي تفاصيل سوى المسمى ذاته. وأسمع هذا الصوت الذي يخبرني أنه سمي بالوردي لأنه يستهدف النساء. أعلم أعلم، ولكنني ذهبت بسؤالي إلى أبعد من ذلك، ففتشت عن الإجابة التي تشفي تساؤلاتي ووجدت أن التسمية في حقيقتها ليست إلا انعكاسًا لصورة نمطية اختزلت المرأة في لون واحد.
لون يُسوق له على أنه رمز الأنوثة والرقة، رغم أن النساء لسن نسخة واحدة ولا يعبر الوردي بالضرورة عن كل واحدة منهن. بل إن هذه التسمية السطحية تتحدث عن عقلية تسويقية قديمة لا ترى في المرأة إلا قالبًا جاهزًا. لكنني أدركت أيضًا أن هذه التسمية ليست مجرد لفظ عابر، بل هي فكرة قد تتسبب في فشل بعض الاستراتيجيات التسويقية إن اتبعت نفس المبدأ السطحي.
فمثلًا عندما تُبنى الحملة الإعلانية على افتراض أن كل امرأة ستنجذب تلقائيًا إلى الوردي، فهي بذلك تتجاهل التنوع الهائل في اهتمامات النساء وذوقهن وأنماط حياتهن. والنتيجة أن ما كان يُفترض أن يكون عامل جذب قد يتحول إلى أداة تنفير، حيث تشعر المستهلكة أنها وُضعت داخل قالب جامد لا يُشبهها. وهنا يصبح الاسم ذاته عبئًا على الاستراتيجية بدلًا من أن يكون نقطة قوتها.
لماذا النساء؟
وهنا يأتي تحليل الشق الثاني من شعوري الذي حدثتك عنه في البداية، هل يمكن أن يكون التخصيص ذاته هو السبب؟ أم أن الأمر طبيعي؟ حين بحثت وتحققت، وجدت أن للأمر أساسًا اقتصاديًا صلبًا تدعمه الأرقام. تكشف الدراسات الحديثة أن النساء يمثلن قوة شرائية هائلة لا يمكن للسوق تجاهلها؛ إذ يشير تقرير NielsenIQ (2024) إلى أن النساء يتحكمن في نحو 31.8 تريليون دولار من الإنفاق العالمي، ومن المتوقع أن يصل تأثيرهن إلى 75% من الإنفاق التقديري في السنوات المقبلة.
لذا فإن نشأة هذا التخصيص ليست أمرًا عشوائيًا، بل استجابةً طبيعية لقوة سوقية ضخمة. لكن السؤال الأعمق يظل حاضرًا: إذا كان في بدايته طبيعيًا، فهل بقي كذلك مع مرور الوقت، أم انزلق تدريجيًا ليصبح قيدًا يعيد إنتاج الصور النمطية بدلًا من أن يوضح تنوع النساء وواقعهن المعاصر؟
ولكن هل يتلخص مفهوم التسويق الوردي في النمط الذي استنتجناه من المصطلح؟ هل هو فقط استهداف النساء عبر استخدام الألوان الوردية بدرجاتها "والثيم" النسائي بأكمله؟ أم أن التسويق الوردي أعمق من ذلك؟
رغم مأخذي على الجانب السطحي من التسويق الوردي الذي طرحته عليك أعلاه، إلا أنني لا أستطيع أن أنكر الصوت الداخلي الذي يخبرني أن هناك جانبًا أعمق من هذا، وأن هناك مبادئ أخرى حقيقية ومنطقية لوجود هذا النوع من التسويق، وأن هناك نوعًا من الاستراتيجيات لا يحمل هذا النمط السطحي من التصنيف والقولبة.
مبادئ التسويق الوردي
لكي تتضح لنا حقيقة التسويق الوردي، يجب أن نفهم مبادئه الحقيقية التي ترتكز على الدراسات والإحصائيات والمنطق، بعيدًا عن الفهم الخاطئ والتنميط السطحي. لذلك، سوف أناقش معك مبادئه الحقيقية وركائزه الأساسية.
حقيقة الاستهداف
أعلم أن التسويق الوردي يستهدف المرأة، ولكن كيف يجب أن يستهدفها؟ هل من خلال اللون الوردي والثيم النسائي؟ بالطبع لا. يتحقق الاستهداف الحقيقي للمرأة بدراسة سيكولوجيتها وطريقة تفكيرها وثقافتها، والأهم من ذلك هو الشعور بمشاكلها والتفاعل معها وتقديم الحلول الحقيقية التي تحقق أهدافها. المرأة كائن عاطفي، ولكنها عاقلة وذكية وتستطيع أن تميز من يشعر بها ويقدرها حقًا، ممن يدعي ذلك ويصر على قولبتها وتنميطها طوال الوقت.
تهيئة المزيج التسويقي
لن أتحدث عن الذوق والميول، لأنها مختلفة ولا يوجد قالب واحد لها؛ بل سأتحدث عن الاحتياجات. فيجب على كل مسوق أو صاحب علامة تجارية أن يدرس احتياجات جمهوره جيدًا، وأن يعرف ما السبب وراء هذه الحاجة؟ من أين تأتي المشكلة أو يتولد الدافع نحو الحاجة؟ لكي يتمكن من تقديم الحل الأنسب حسب كل شريحة يستهدفها.
يتكون المزيج التسويقي من المنتج والسعر وطريقة الترويج له. والتهيئة هنا تعني أن يصمم المنتج بالطريقة التي تلائم استخدام المرأة له وطريقة نظرتها له وبالطبع حاجتها له. أما السعر فيجب دراسة الشريحة المقدم لها المنتج وثقافة البلد التي تعيش فيها المرأة وحالتها الاقتصادية ومتوسط دخل المرأة فيه، كذلك طريقة الترويج التي تخاطب قلب المرأة وعقلها معًا.
فهم سيكولوجية المرأة وأسلوب حياتها
يفضل أن تخاطب المرأة المرأة؛ لأنها هي من تشعر بها. مهما كان الرجل مثقفًا ومرنًا وواعيًا، صعب أن يفهم احتياجاتها ويشعر بها مثلما تفعل المرأة مثيلتها. لذلك، يفضل أولًا أن يكون المسوق الرقمي في حملات التسويق الوردي امرأة. الأمر الثاني هو وجوب فهم سيكولوجية الشريحة المستهدفة. وليس المرأة بصفة عامة، لأن الثقافات وطريقة التفكير وأسلوب الحياة يختلف من فئة إلى فئة ومن بلد إلى بلد.
التركيز على القيمة الحقيقية
أصبح من السهل اليوم ملاحظة الاتجاهات الاستهلاكية السطحية. كثير من العلامات التجارية ما زالت تُنمّط المرأة على أنها مجرد كائن يسعى وراء المظاهر. بهذه الصورة، تُسوق منتجات لا تقدم قيمة فعلية، بل تندرج أحيانًا تحت بند الكماليات الفارغة. ورغم انجراف بعض الشرائح وراء هذه الصيحات، يبقى دور التسويق الوردي الواعي مختلفًا.
المسار الصحيح هو توجيه الجهود نحو الفئة الأكثر وعيًا. تقديم منتجات وخدمات تضيف قيمة ملموسة لحياتها اليومية. هنا لا تُعامل العلامة التجارية المرأة كمصدر للإنفاق، بل كشريك يبحث عن حلول حقيقية تعزز جودة حياته.
القيم المجتمعية الإيجابية
من أخطر الأخطاء في التسويق الوردي استغلال القضايا الحساسة أو الصراعات المجتمعية لإثارة الجدل وزيادة المبيعات. هذا الأسلوب قد يجذب الانتباه سريعًا، لكنه يفقد ثقة الجمهور على المدى الطويل.
التوجه الصحيح هو توظيف القيم المجتمعية الإيجابية في الرسائل التسويقية. يمكن للعلامات التجارية أن تدعم قضايا مثل تمكين المرأة في العمل، وتشجيع النساء على تأسيس المشروعات الرقمية، أو تعزيز التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. عندما يرى الجمهور أن المنتج أو الخدمة تساهم في حل تحديات واقعية وتضيف قيمة للمجتمع، تنشأ علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، وهي أساس الولاء المستدام.
في الحقيقة، إن المبادئ الحقيقية هي ذاتها الاستراتيجيات الفعالة، فلا تنتظر مني أن أعطيك وصفة فعالة لكي تجذب المرأة نحو زر الشراء. ليس الأمر بهذه السطحية كما قلت لك من قبل. يكفي أن تكون حقيقيًا وأخلاقيًا وتلتزم بالمبادئ ابتعد عن السطحية والتنميط والتعميم، حينها سوف تكسب جمهورًا كبيرًا من الداعمات القويات.