أتذكر جيدًا عندما بدأت التجارة الإلكترونية المحلية، كنت جد متحمسة للفكرة بعد أن اشتريت السلعة وأطلقت أول حملة إعلانية على الفيسبوك وأنتظرت نفاذ مخزون السلعة بعد أيام! ولكن بعد أيام لم تنفذ السلعة التي اقتنيتها بل نفذت الميزانية التي خصصتها لمشروعي الجديد وقررت بعدها إنهاء هذه التجربة مبكرًا أو على الأقل تأجيلها لموعد غير محدد!
السبب الرئيس الذي أنهى مشروعي الجديد بسرعة هو غياب التخطيط المالي. ولهذا أنا هنا من أجل مشروعك الرقمي عزيزي المثابر. كي أُقدم لك نصائح عملية من واقع تجربتي حول أهمية التخطيط المالي لنجاح مشروعك.
ما هو التخطيط المالي؟
لا يمكن لأي مشروع رقمي أن ينجح بدون خطة مالية دقيقة توضح معالم الطريق وتتوافق مع أهداف المشروع. فلا مجال للعشوائية في عالم المال والأعمال. إذًا فهو عبارة عن مجموعة من الخطط المحكمة توضع لإدارة موارد المشروع المالية بدقة عالية بهدف تقليل أغلب المخاطر التي قد تواجه مشروعك الرقمي.
واعلم عزيزي المثابر أن التخطيط العام رغم أهميته لنجاح مشروعك لن يكفي. كما أن لن يضمن لك كصاحب مشروع النجاح ولا الأمان، بل عليك أيضًا وضع خطة مالية محكمة بعناية توافق مشروعك الرقمي وأهدافه ورؤيته المستقبلية. ولكن كيف يُمكنني وضع خطة مالية لمشروعي الرقمي؟ أعلم أن هذا السؤال قد تبادر إلى ذهنك الآن، لذلك دعني أُخبرك خطوات مُبسطة لتضع خطتك المالية الأولى!
حدد ميزانية مشروعك
بعد أن تضع خطة تفصيلية لمشروعك الرقمي عليك الانتقال بعدها لخطوة مهمة وهي تحديد ميزانية هذا المشروع. والميزانية هي التكاليف التقديرية التي يحتاجها أي مشروع كي يستمر وينجح. فلا يمكنك التحكم في التكاليف ولا توزيع الموارد المالية إلا بعد تحديد ميزانية المشروع.
تُعد الميزانية عنصرًا ضروريًا لنجاح مشروعك. فقط بعد تحديدها تستطيع ضبط النفقات وإدارتها وفق الموارد المالية المتاحة بتوازن لتفادي الفشل والعجز المالي والإفلاس. ويجب أن تكون الميزانية المالية الخاصة بالمشروع يجب مرنةً وقابلة للتعديل حسب التغيرات. كما يجب أن تتوافق مع أهداف المشروع ونظرته التوسعية في المستقبل على المدى المتوسط والبعيد.
أنت الوحيد عزيزي المثابر الذي يُمكنه تحديد ميزانية المشروع؛ فهي تعتمد كليًا على مواردك المالية التي ترغب في تخصيصها للاستثمار في مشروعك الرقمي أو فكرتك الجديدة.
حدد أولوياتك
بعد تحديد الميزانية، يجب عليك تنظيم النفقات حسب الأولويات. ولتحديد أولوياتك عزيزي المثابر ستحتاج أولًا إلى إجراء تحليل SWOT الرباعي لمشروعك الرقمي. ذلك حتى تعلم الفرص المتاحة التي يُمكنك استغلالها، بالإضافة إلى معرفة نقاط قوتك. هذه النقاط يجب أن تكون حاضرة بقوة في خطتك المالية؛ فالخطة المالية الناجحة هي التي تستهدف الفرص، وتُعزز نقاط القوة، وتقلل من الآثار السلبية لنقاط الضعف والتهديدات.
بعد ذلك يجب أن تُحدد أهدافك بذكاء. وأقصد هنا أن تكون أهدافك ذكية طبقًا لمنهجية SMART التي تحدثنا عنها في أساسيات التسويق الرقمي. وبعد تحديد الأهداف وإجراء التحليل الرباعي، سيصبح لديك تصور كامل للأهداف التي تحتاج منك أولوية دون غيرها في تخصيص الميزانية.
توقع الإيرادات والأرباح
يُعد توقع الإيرادات والأرباح عنصرًا محوريًا في مخططك المالي. كي تضمن نجاح مشروعك الرقمي وذلك بتوقع أرباحه المحتملة بناءً على بيانات معينة بعد دراسة السوق والعملاء المحتملين، وأيضًا بعد تسعير الخدمات والمنتجات.
فهذه الخطوة أساسيةٌ، فهي ما سيدفعك لتعديل استراتيجيات مشروعك وخطته ككل إن كان توقع الأرباح سلبيًا. كما ستدفعك أيضًا إلى النظر في تسعير المنتج أو الخدمة، وفي تكاليف ونفقات المشروع ككل. وبهذه الخطوة ستعرف إن كانت اللبنات الأولى لمشروعك وضعت على أسس جيدة أم تحتاج إلى تعديل.
على سبيل المثال، إن كنت ستسعر خدمتك أو منتجك بـ 10 دولارات. وتتوقع بعد دراسة السوق والعملاء المحتملين 50 عملية بيع في أول شهر؛ فدخلك في أول شهر سيكون 500 دولار. أما الربح الصافي فسيحدد بعد خصم تكاليف المنتج أو الخدمة من الإيرادات. فإن كان دخلك في أول شهر 500 دولار، وكلفتك عملية تطوير منتجك الرقمي والأنشطة التسويقية للمنتج 200 دولار؛ فصافي الربح يكون 300 دولار.
مصدر التمويل
بعد أن تتوقع إيرادات وأرباح مشروعك الرقمي الآن حدد المصادر التي ستمول هذا المشروع. فلا يمكن لأي مشروع أن ينجح وينمو بلا تمويل. ومصادر التمويل في المشاريع متنوعة؛ لكن أفضلها للمشروعات الرقمية هو التمويل الشخصي.
التمويل الذاتي أو الشخصي
وهو أن تمول مشروعك بنفسك وبمالك الخاص دون الحاجة لطرف آخر، فالتمويل الذاتي يجنبك الاستدانة وأيضًا يجعلك مستقلًا بمشروعك، مقارنةً بوجود شركاء آخرين معك في المشروع يتقاسمون الأرباح ويتخذون معك قرارات مهمة تتعلق بالمشروع. ولهذا أوصي دائمًا بتمويل مشروعك الرقمي الخاص ذاتيًا. لكن ماذا إذا لم تكن تمتلك الموارد المالية الكافية لتمويل المشروع؟
في هذه الحالة لن أنصحك ببدء مشروعك أصلًا؛ إذ ينبغي عليك أولًا العمل والإدخار من خلال تسخير مهاراتك في العمل الحر. فالمشروعات الرقمية هي التطور الطبيعي للمستقلين. لا تتسرع عزيزي وكن مثابرًا!
ضع خطة مالية للطوارئ
لا يستطيع أي شخص التنبؤ بدقة بما سيحدث في المستقبل، لكننا نعلم بأن هناك مخاطر ستواجهنا حتمًا. لهذا الخطة المالية للطوارئ هي ما سيحمي مشروعك من أي أزمة محتملة في المستقبل، أو على الأقل ستخفف من حدتها. وتشمل الأزمات المحتملة انخفاض المبيعات، وزيادة النفقات، والكوارث الطبيعية، والأزمات الصحية، والأزمات الاقتصادية، وغيرها. فهي كل العوامل الخارجية التي تُهدد مشروعك.
وتتمثل الخطة المالية للطوارئ في وضع صندوق ادخار مخصص لمواجهة الأزمات التي قد تحل بالمشروع. وذلك بتخصيص جزء من رأس المال في البداية، وجزء من الأرباح لاحقًا فقط للطوارئ. والنسبة تختلف من مشروع لآخر لكن يفضل أن تكون ما بين 20 إلى 30 % بالنسبة للمشاريع الناشئة ثم بالإمكان تقليلها عندما يصبح المشروع أكثر استقرارًا.
وتساعد خطة الطوارئ على تشغيل وتسيير المشروع عند حدوث هذه الأزمات. ويجب أن تكون الخطة كافية لتشغيل المشروع لمدة 6 أشهر على الأقل. بعدها من المتوقع أن يبدأ مشروعك في تعافي وتجاوز الأزمة، خاصةً إذا أحسنت التخطيط من البداية كما ذكرنا.
التدفق النقدي
بعد تنفيذ الخطوات السابقة وبدء مشروعك، يحين وقت إدارة التدفق النقدي (Cash Flow) لمشروعك الرقمي. وتُعد دراسة التدفق النقدي عنصرًا أساسيًا أيضًا في المخطط المالي لأي مشروع. فهو يمثل حركة الأموال الداخلة والخارجة من مشروعك. لذا فهو يعكس وضع مشروعك المالي وما إذا كانت الأرباح جيدة وكافية لتشغيل واستمرارية المشروع أم لا.
يسمح لك التدفق النقدي بتحسين الأسعار وترشيد النفقات. فكلما كان سلبيًا دل على خلل في الجانب المالي للمشروع. وكلما كان إيجابيًا دل على أن المشروع ينمو بشكل صحيح. في حالة ما إذا كان التدفق النقدي لمشروعك الرقمي سلبيًا؛ ابحث عن السبب، وذلك بإعادة دراسة الجوانب المهمة كالتسعير، ونفقات وتكاليف المشروع، وأيضًا حالة السوق وجودة العملاء.
التدفق النقدي الإيجابي (Positive Cash Flow) | التدفق النقدي السلبي (Negative Cash Flow) |
عندما تكون الأموال الواردة إلى المشروع أكبر من الأموال الخارجة. وهذا يعني أن المشروع يحقق ربحًا كافيًا لتغطية التكاليف والاستمرار في نمو. | يحدث عندما تكون النفقات أعلى من الإيرادات، ما يؤدي إلى عجز مالي يتطلب تمويلًا إضافيًا لاستمرار تشغيل المشروع. |
مثال: يُحقق مشروعك الرقمي أرباحًا قدرها 500 دولار، فيما تنفق فقط 200 دولار شهريًا (مثلًا) على التسويق. حينها لديك 300 دولار تدفق نقدي إيجابي. | مثال: يُحقق مشروعك الرقمي أرباحًا قدرها 100 دولار، فيما تنفق 200 دولار شهريًا (مثلًا) على التسويق. حينها لديك عجز 100 دولار كتدفق نقدي سلبي. ويجب عليك أن تبحث عن السبب في تراجع المبيعات وتُعيد دراسة مشروعك ككل. |
لهذا يُعد التدفق النقدي أحد أهم المؤشرات التي يعتمد عليها أصحاب المشاريع لتقييم الخطة المالية. فهو يمنح خطتك مرونةً وقابليةً للتغيير والتحسين حسب الظروف التي يمر بها مشروعك.
مثال عملي على التخطيط المالي
الآن أصبح لديك المعايير الأساسية التي تضع بها خطة مالية لمشروعك الرقمي. ولتتضح الفكرة أكثر، إليك مثالٌ عملي على إعداد خطة مالية بنفس المعايير التي ناقشناها في مقالتنا. المشروع سيكون إنشاء موقع شخصي لتقديم خدمات التسويق الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي.
أولًا: تحديد الميزانية والأولويات
الخطوة الأولى هي تحديد الميزانية التي تنفقها لتأسيس المشروع حسب الأولويات. في هذه الحالة يجب أن تغطي الميزانية تكاليف تصميم الهوية والشعار، وتطوير وإطلاق الموقع الإلكتروني، وإطلاق الحملات التسويقية، وأخيرًا دفع اشتراكات البرامج والأدوات التي نستخدمها في المشروع.
- توظيف مُصمم لعمل الهوية البصرية للمشروع: 200 دولار
- حجز اسم نطاق واستضافة مع شهادة أمان: 150 دولار سنويًا
- توظيف مطور مواقع ووردبريس وشراء قالب لإطلاق الموقع: 150 دولار
- حملات تسويقية على مدار 6 أشهر عند إطلاق المشروع على وسائل التواصل الاجتماعي: 300 دولار
- دفع اشتراكات سنوية للبرامج والأدوات التي تحتاجها لتنفيذ مهام المشروع: 200 دولار سنويًا
يمكنك الذهاب إلى موقع خمسات ومراجعة العروض المختلفة حسب خبرات المستقلين لتحديد متوسط الأسعار. وهذا ما فعلته لوضع هذه الميزانية. والآن تصبح الميزانية الأولية التي حددناها لإطلاق المشروع 1000 دولار.
ثانيًا: توقع الأرباح
بعد مراجعة السوق من مواقع العمل الحر كخمسات، وجدت أن متوسط إعداد الخطة التسويقية 50 دولار. وحسب قدراتي كمسوقة رقمية تعمل بمفردها في هذا المشروع، أتوقع إنجاز 10 خطط شهريًا بواقع 500 دولار إيرادات. إذًا سأتوقع إيرادات سنوية 500 × 12 = 6000 دولار تقريبًا. ولحساب صافي الربح، سأحتاج إلى تحديد نفقاتي التشغيلية السنوية. والتي تضمن دفع اشتراكات البرامج والأدوات والاستضافة والنطاق، بالإضافة إلى الحملات التسويقية في السنة.
نظرًا لأنني حسبت تكاليف الحملات التسويقية على مدار 6 أشهر، ستتكلف الحملات التسويقية في العام الواحد 600 دولار. والآن يُمكنني حساب صافي الربح السنوي من المشروع عبر طرح النفقات التشغيلية السنوية من إجمالي الإيرادات: 6000 - (350 + 600) = 5050 دولار.
ثالثًا: خطة الطوارئ
من الضروري وجود خطة مالية للطوارئ كما ذكرنا. وسنحدد قيمتها بنحو 30% من ميزانية المشروع الأولية. وستكون مُخصصة للتسويق الإضافي لإعطاء المشروع دفعة تعزيزية إذا واجهتنا أي عقبات خاصةً في السنة الأولى. لذا ستصبح الميزانية الإجمالية للمشروع 1300 دولار؛ 1000 دولار ميزانية أساسية و300 دولار ميزانية للطوارئ.
رابعًا: متابعة التدفق النقدي
أخيرًا، يجب أن تتابع التدفق النقدي في خطتك. وأنصحك في مثل هذه المشاريع أن تجعل المتابعة شهريةً. ذلك لأنك لا تنفق أي مصروفات يومية لتشغيل المشروع. وبمعادلة بسيطة، تستطيع تحديد نفقاتك الشهرية عبر قسمة النفقات السنوية على عدد شهور السنة: 950 ÷ 12 = 80 دولار تقريبًا.
الآن، حدد إيرادات الشهر الأول وابدأ بحساب صافي الربح لتحديد التدفق النقدي. إذا كان التدفق النقدي سلبيًا في الشهر الأول، لا تيأس وتابع مستوى التقدم في الشهور التالية. إذا ظل التدفق سلبيًا وفي تراجع (لا قدر الله)، ستحتاج إلى إعادة نظر في الخطة والمشروع ودراسة أسباب هذا التراجع. وقد تحتاج إلى استخدام خطة الطوارئ لإنقاذ مشروعك. أما إذا كان التدفق إيجابيًا، يعني ذلك أنك تُحقق أرباحًا بالفعل! وحينها يجب أن تستمر في دعم وتعزيز نقاط القوة بمشروعك للنمو ومضاعفة الأرباح.
الخطة المالية هي البوصلة التي ترشدك نحو نجاح مشروعك الرقمي. فركز عليها جيدًا عزيزي المثابر كي يحقق مشروعك الرقمي نتائج إيجابيةً تمكنك من تحقيق أهدافك على المدى القريب والبعيد.