عزيزي المُثابر؛ خلال رحلتك اليومية التي شملت وصولك لهذا المقال مررت حتمًا بعدة منتجات رقمية، بدايةً من التطبيقات على هاتفك أو التصميمات التي تراها، وحتى موقعنا الرقمي. فقد أصبحت المنتجات الرقمية مكملًا أساسيًا لحياة مستخدمي التقنية. لكن على الرغم من سهولة الوصول إلى تلك المنتجات واندماجها السلس في حياتنا، يختبئ خلف الكواليس مزيجٌ من الإبداع والتخطيط والتنفيذ لتطويرها.
في ذلك المقال سننتقل للصناعة في العالم الرقمي، حيث يمكن للمثابرين تطوير منتجهم الرقمي الاحترافي.
ما هي عملية تطوير المنتجات الرقمية؟
يمكن تعريف «تطوير المنتجات الرقمية» بأنها عملية تصميم وإنشاء منتجات رقمية غير ملموسة؛ مثل تطبيقات الهاتف، والتصميمات، والمواقع الإلكترونية. وتعتمد هذه العملية على منهجيات وأُطر عمل دقيقة تهدف إلى تحسين تجربة استخدام المنتج لتلبية احتياجات المستخدمين. وتتسم المنتجات الرقمية بمرونتها وقدرتها على التكيف مع متطلبات المستهلكين المُتغيرة، ما يجعل عملية التطوير مستمرة طوال دورة حياة المنتج.
مزايا المنتجات الرقمية: ما خف وزنه وغلا ثمنه
في الواقع المنتجات الرقمية لا وزن لها على الإطلاق؛ إلا إذا كنت تعتبر حاسوبك جزءًا من احتساب الوزن. تتميز المنتجات الرقمية برقميتها، فهي ليست بحاجة لشحن أو نقل أو مخازن، ولإرسالها أو بيعها لا يتطلب ذلك أي تكلفة. يمكن للمنتجات الرقمية التوسع بشكل سريع ولعدد غير محدود دون تكلفة إضافية، كما يمكن لأي شخص حول العالم الوصول لها بسهولة.
تقدم المنتجات الرقمية فرصة ذهبية لاستهداف أسواق متخصصة ذات طلب عالٍ ومنافسة منخفضة. وإذا طبقت مراحل تطوير منتجك بشكلٍ ناجح، وعلى عكس المنتجات المادية؛ يمكنك تحسين أو تحديث المنتج بسهولة بناءً على ملاحظات العملاء، أو حتى تحديثات الأمان.
وتساعد تلك المنتجات على تحقيق ما يعرف بـ«الدخل السلبي»؛ وهو نوع من الدخل يمكنك تحقيقه دون الحاجة إلى العمل بشكلٍ مستمر بعد إكمال المنتج. ويمكنك عرض منتجك الرقمي على موقعك الخاص أو الاستفادة من منصات متخصصة تحمل عنك عبء البيع مثل منصة بيكاليكا العربية.
مراحل تطوير المنتجات الرقمية
جميع المنتجات سواء مادية أو رقمية بدأت «بفكرة»، توليد الأفكار الإبداعية هي المرحلة الأولى في تطوير منتجك الرقمي. ويمكنك أيضًا تدوين مهاراتك وشغفك، وذلك لمساعدتك على تحديد ما تجيده وما أنت شغوف به.
وإذا كان لديك مجتمع أو جمهور بالفعل، يمكن أن تستفسر منهم عن ما يحتاجون إليه وما هي أنواع المنتجات الرقمية التي يتوقعون رؤيتها منك. ويمكنك الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي أيضًا أو من خلال استبيانات مثل النماذج الجاهزة التي يمكن إرسالها لجمهورك من خلال العديد من قنوات التواصل.
البحث والتحليل
تتضمن تلك المرحلة العديد من الخطوات؛ الخطوة الأولى هي تحليل المشكلات من خلال فهم نقاط الألم والتحديات التي تواجهها الشريحة التي يستهدفها منتجك الرقمي. الخطوة الثانية هي تحديد المزايا الرئيسية لفكرة المنتج ومقارنتها مع المنافسين لمعرفة مدى جدواها. أما الخطوة الثالثة فتكمن في تحديد نقاط قوتها وضعفها وإبراز الفرص والتهديدات التي تحيط بها، أشهر نموذج لتلك الخطوة هو «تحليل SWOT».
ولتحديد نقاط الألم لعملائك دعني أقص عليك موقفًا؛ عندما كنت صغيرة، كان أول كتاب اشتريته من مصروفي للروائية - أجاثا كريستي. لطالما أحببت رواياتها. لكنني لم أتمكن ابدًا من الحصول عليها جميعًا، لأن بعض الروايات المترجمة للعربية، لها طبعات قليلة. لكن عندما بحثت في الكتب الرقمية، وجدت جميع الروايات التي كتبتها، ولم أتردد في شرائها.
نقاط الألم هنا قد عالجها توفير تلك النسخة العربية النادرة التي كنت أبحث عنها في منتج رقمي هو «الكتب الإلكترونية».
أخيرًا، استعن بأبحاث السوق؛ إذ تتضمن تلك الأبحاث تحليل احتياجات العملاء وتفضيلاتهم والمشكلات التي يواجهونها لتحديد الثغرات الموجودة في السوق. ومن خلال فهم الفئة المُستهدفة وسلوكياتها، يمكن تطوير منتجات رقمية تتماشى مع احتياجات العملاء.
التنفيذ – صعوبة ومتعة
تأتي الخطوة التالية، في دخول منتجك الرقمي حيز التنفيذ؛ وذلك من خلال خطوتي التصميم والتطوير، إذ يمكنك الآن الاعتماد على تخصصك ومهاراتك لتنفيذ منتجك الرقمي الأول. ولكن إذا كان مشروعك بحاجة لمهارات أو تخصصات أكثر؛ فيمكنك توظيف مستقلين متخصصين.
ولرؤية ثمار فكرتك والتأكد من إمكانية تحقيقها بشكل منطقي وفعال، ستبدأ بخطوة التصميم من خلال إنشاء نماذج أولية (Prototypes) لمنتجك الرقمي، بناءً على النتائج التي توصلت إليها خلال مرحلة البحث والتحليل. ويهدف النموذج إلى اختبار المنتج قبل الوصول إلى النسخة النهائية القابلة للاستخدام.
جدير بالذكر أن مرحلة التنفيذ تختلف بناءً على المنتج، على سبيل المثال، الكتب الإلكترونية لا تتطلب الشق البرمجي بل التصميمي فقط. والدورات التدريبية كذلك، إذ تحتاج إلى تصوير ومونتاج وتصميم وكتابة محتوى، وتخلو من أي تعقيدات تقنية.
لحظة الحقيقة - اختبار المنتج الرقمي
بعد الوصول للمنتج النهائي في مرحلة من الفرحة والفخر؛ يأتي وقت الحقيقة. من خلال اختبار المنتج داخليًا بواسطة فريق التطوير لتحديد أي مشاكل تظهر بالمنتج وإصلاحها قبل إطلاقه للمستخدمين. وتتضمن عملية الاختبار فحص المنتج من ناحية الأداء، والوظيفة، والأمان، وتجربة الاستخدام.
بعد ذلك يُمكن طرح إصدار تجريبي من المنتج إلى عدد محدود من المستخدمين، وذلك للحصول على مراجعات واقعية تساعد على اكتشاف الأخطاء وإصلاحها قبل إطلاق النسخة النهائية. ويعتمد الإصدار التجريبي على ما يُعرف بـ «منتج الحد الأدنى» أو MVP. وهو إصدار محدود من المنتج الرقمي يتضمن واجهة الاستخدام وبعض الخصائص الوظيفية لجمع تجارب وآراء المستخدمين.
اللحظة المُنتظرة - الإطلاق
تُمثل مرحلة الإطلاق ذروة عملية التطوير. وفي هذه المرحلة يأتي دور التسويق، وذلك من خلال حملات إعلانية على القنوات الرقمية للترويج للمنتج. وتسهم تلك المرحلة في خلق وعي بالمنتج وجذب المُستخدمين. تتنوع الوسائل التسويقية بناءً على طبيعة المنتج؛ إذ يمكن الترويج له من خلال الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية، أو من خلال شراكات مع المؤثرين بمحتوى نصي أو مرئي.
مرحلة النمو
بعد اختيار الحملة المناسبة والإطلاق، تأتي مرحلة النمو. تُعد تلك المرحلة بمثابة إكسير شباب المنتج، كي لا يشيخ ويموت! إذ تتطلب تلك المرحلة مراقبة مستمرة لأداء المنتج، من خلال تحليلات وملاحظات المستخدمين لتحديد جوانب التحسينات. وذلك بالإضافة إلى ضرورة إصدار تحديثات منتظمة وإصلاحات للأخطاء لضمان استقرار المنتج وأمانه.
جدير بالذكر أن مرحلة النمو تختلف وفقًا للمنتج، لكن تتفق جميع المنتجات في ضرورة متابعة ملاحظات المستخدمين، لتحسين الجوانب السلبية وتعزيز الجوانب الإيجابية.
أخيرًا يختلف تطبيق مراحل التطوير بناءً على الاستراتيجية الموضوعة لتطبيق تلك المراحل، وهو ما سنناقشه في الفقرة القادمة.
منهجية أجايل (Agile)
نظرًا للبيئة الرقمية المُتغيرة والمتطورة بسرعة؛ طُور نهج Agile لإدارة المشاريع الرقمية تحديدًا. فهو يستهدف القدرة على التكيف والاستجابة للتغير بمرونة وفعالية؛ إذ تسمح منهجية أجايل بإنجاز المشاريع بشكل سريع مع إمكانية الاستمرار في التعديل عليها. ويُعد ذلك من أبرز سمات المنتجات الرقمية، التي تتطلب تحديثات وتحسينات مستمرة
يضم ذلك النهج مجموعة من إطارات العمل، التي سنناقش بعضها لاحقًا. وتركز فلسفة Agile على 4 أركان رئيسية في عملياتها:
- العمل الجماعي: تقدير التعاون والعمل الجماعي أكثر من الفردي أو اتباع التعليمات «بحذافيرها».
- جودة المنتج النهائي: كفاءة واحترافية المنتج النهائي أهم من أي أعمال إضافية تابعة للمنتج.
- العميل جزء من الفريق: السماح للعميل (أو مالك المنتج الرقمي) بتوجيه المشروع بناءً على احتياجاته، أي أن العميل هنا جزء متعاون مع الفريق.
- المرونة: الاستجابة للتغييرات «المرونة» بدلًا من الالتزام بالخطط، حتى يتمكن أي فريق تغيير استراتيجيته دون التأثير على تدفق العمل والمشروع بأكلمه.
السهل الممتنع – إطار Scrum
يُعد إطار عمل Scrum مثاليًا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فهو ببساطة يساعد الفرق على تنظيم نفسها وإنجاز المهام تدريجييًا بطريقة منظمة. يكمُن جوهر Scrum في اتباع مقولة «فَرِّق تَسُدْ»، وذلك من خلال تقسيم المشروع الكبير إلى أجزاء صغيرة قابلة للإدارة تُنجز خلال فترات قصيرة، يُطلق عليها “Sprints”.
يتكون فريق العمل في إطار Scrum من الآتي:
- مالك المنتج (Product Owner): وهو الذي يرغب في تطوير المنتج الرقمي.
- القائد (Scrum Master): وهو المسؤول عن إدارة عملية التطوير بالكامل، الذي يُساعد الفريق على تنظيم العمل وحل أي مشاكل تُعيق التقدم.
- فريق التطوير (Developers): وهو الفريق الذي يعمل مباشرةً على تطوير المنتج الرقمي.
من أبرز مزايا هذا الإطار أنه يحث على طرح الأسئلة والانفتاح؛ إذ يساعد الفريق على طرد شبح الخوف من انهيار الخطة الموضوعة؛ نظرًا لأنه يعتمد على تقسيم الخطة إلى مراحل صغيرة. ولذا يسمح إطار Scrum بالخروج من الصندوق، والنظر بعين ناقدة وتصحيح المسار دون التأثير على المشروع ككل.
إطار Kanban
يُمثل كانبان أسلوب بسيط ومرن لإدارة المشاريع وتنظيم العمل؛ إذ يجعل المهام واضحة وسهلة التتبع من البداية إلى النهاية، وذلك من خلال تقسيمها إلى خطوات أو مراحل. يعمل الإطار باستخدام لوحة تُعرف بـ«لوحة كانبان»، تُقسم اللوحة إلى أعمدة، كل عمود يُمثل مرحلة من مراحل العمل. وتتضمن تلك الأعمدة مجموعة من البطاقات؛ تُمثل كل بطاقة مهمة مُحددة، ثم تنتقل البطاقات بين الأعمدة لتعكس تقدم المهمة.
تخيل أن لديك لوحة بيضاء كبيرة، قسمتها بقلم ومسطرة إلى ثلاث أعمدة، ثم أعطيت كل عمود اسم مرحلة من مراحل عمل تخطط لإنجازه. وثبتت تلك اللوحة على إطار خشبي على الحائط، ولتمثيل البطاقات أحضرت ورق طباعة وقصصته إلى مربعات، ثم كتبت في كل مربع مهمة ضمن العمل الذي ترغب بإنجازه، ثم ثبتت كل مربع في العمود المُخصص له على اللوحة البيضاء. هكذا أصبح لديك إطار عمل كانبان!
ويمكن توضيح الأعمدة بشكلٍ مبسط على النحو التالي:
- المرحلة الأولى «To Do أو لبدء العمل»: ويمثل ذلك العمود المهام التي ترغب في العمل عليها
- المرحلة الثانية «قيد التنفيذ»: وهي المهام التي انتقلت من المرحلة الأولى ودخلت حيز التنفيذ ولكن لم تنتهي بعد
- المرحلة الثالثة «العمل مُنجز»: يُمثل هذا العمود المهام التي انتهى العمل عليها في المرحلة الثالثة.
يتميز إطار كانبان بجعل كل المهام والمراحل أمام عينيك؛ إذ يمكنك رؤية كل مهمة وموقعها. كما يساعد على التركيز على عدد معين من المهام بدلًا من محاولة إنجاز كل شيء في آنٍ واحد، وهو كابوس لتطوير منتج رقمي! يتسم الإطار أيضًا بالمرونة؛ إذ يمكن تحديد أعمدة اللوحة بناءً على طبيعة المشروع. كما يساعد على زيادة الكفاءة وتقليل الوقت الضائع، والذي يسهم في إدارة أكثر دقة للتكاليف.
إذا رأيت عزيزي المُثابر أن ذلك الإطار يناسبك، فلست مضطرًا لتطبيق النموذج البدائي ذو اللوحة الخشبية وقصاصات الورق؛ إذ يوجد أدوات رقمية لكانبان تناسب طبيعة عمل تطوير المنتجات الرقمية. ومن ضمن تلك الأدوات «أنا».
تعلم المزيد عن تطوير المنتجات الرقمية
إذا كنت ترغب في إتقان الجانب الإداري لتطوير منتجك؛ أُرشح لك دورة إدارة تطوير المنتجات من أكاديمية حسوب؛ إذ ستتعلم كيفية وضع خطة متكاملة واحترافية خطوة بخطوة لتلائم طبيعة مشروعك. كما تعتمد الدورة على التطبيق العملي الذي يضمن لك تجربة عملية تؤهلك لإدارة فريق كامل لتطوير المنتجات الرقمية.
تتضمن مسارات الدورة الموضوعات التالية:
- أساسيات إدارة تطوير المنتجات
- إنشاء موقع لوكالة ترجمة
- تطوير شبكة تواصل اجتماعي
- التعمق في منهجية أجايل
- العمل مع فريق التطوير
ختامًا، تبدأ الرحلة لتطوير أي منتج رقمي بفكرة. ويمكن للرحلة أن تتوقف تمامًا بعد الفكرة؛ إذ يكمن النجاح بالبدء في التنفيذ. ولأنك مثابر دائمًا وأبدًا، يمكنك تطوير منتج رقمي يلائم تطلعاتك. تجنب العشوائية وابحث جيدًا حتى يمل البحث منك وتمل منه؛ «فقد مللنا بعضنا البعض أنا وهو أيضًا». لكن بعد ذلك، دائمًا ما كانت النتائج أعظم مما توقعت!