«الأصعب من النجاح هو الحفاظ عليه». جملة نسمعها كثيرًا، تنبهنا حينًا وتعرقلنا حينًا. ولكن السؤال هنا هو كيف نحافظ على النجاح؟ كيف أحافظ على مستواي وأرفعه أكثر؟ لا سبيل لنا سوى مراقبة الأداء. هل تولَّد في ذهنك سؤالًا آخر؟ اممم أظن أنني أعرفه! كيف نراقب الأداء؟ معك حق، هو سؤال جوهري حقًا.نراقب الأداء بعد رصد البيانات وتحليلها، وهذا ما تفعله المشاريع الرقمية الناجحة. نحن بصدد الحديث عن هذا الموضوع اليوم.
ما هو تحليل البيانات؟
هي طريقة شاملة للنظر في البيانات نظرةً عميقةً لاستخراج المعلومات الكاملة التي تساعدنا على اتخاذ القرارات. نستخدم في هذه العملية الكثير من الأساليب والأدوات لكي تساعدنا في فهم البيانات من عدة جهات حتى نبني قرارات سليمة.
أهمية تحليل البيانات للمشاريع الرقمية
تحول كل شيء حولنا إلى أرقام ومؤشرات تشير إلى شيء ما. فكيف يمكنني فهم ما تشير إليه الأرقام إلا إذا حللتها؟ دعني أوضح لك أكثر. فجرت لنا التقنيات الرقمية كمًا هائلًا من البيانات، التي ما إن حللناها بدقة أظهرت لنا رؤى قيمة وثمينة،. فهي قادرة أن تحدث تغييرًا جزريًا في مستقبل المشاريع الرقمية.
وطبقًا لموقع Statista (أحد أكبر المصادر الموثوقة للإحصائيات) فإن من المتوقع أن يزيد حجم سوق تحليل البيانات في السنوات القادمة حيث:
- كان السوق بقيمة 15.3 مليار دولار في عام 2021.
- يتوقع أن ترتفع قيمة السوق إلى 18 مليار في عام 2026.
آلية تحليل البيانات
بعيدًا عن آلية عمل كل أداة من أدوات تحليل البيانات، هناك قاعدة عامة لعملية التحليل يجب أن تعرفها لكي تسير على أساس متين. تتكون هذه العملية من مراحل متتالية:
- حدد هدفك: ما هو السؤال الذي تريد للتحليل أن يجيبك عنه؟ عما تبحث؟ ما هي مشكلتك؟ يجب أن تحدد هدفك من التحليل لكي تبني عليه اتجاه العملية بأكملها.
- احصل على البيانات: سواء بطريقة يدوية أو آلية أو كليهما (وهو الأفضل). وذلك من خلال واستطلاعات الرأي، والتقييمات، واستخراج الإحصائيات والبيانات من قواعدها في الأدوات والبرامج المختلفة.
- استكشاف البيانات: في هذه المرحلة نراجع البيانات مراجعة أولية لكي نفهم محتواها وأنماطها.
- تجهيز البيانات: هذه العملية لها اسم آخر وهو تنظيف البيانات، وذلك لأنها تعتمد على تنظيف البيانات من أي أخطاء بعد فحصها بدقة للتأكد من صحتها.
- استخلاص الرؤى: يتجلى في هذه المرحلة ذكاء العنصر البشري وقدرته على الربط بين المعلومات لكي يستنبط النتائج التي على أساسها يبني القرارات.
- عرض المخرجات: بعد انتهاء التحليل، تأتي المرحلة الأخيرة قبل اتخاذ القرار وهي عرض النتائج التي توصلنا إليها خلال عملية تحليل البيانات.

مثال واقعي على أهمية تحليل البيانات
سألني مديري في أحد الأيام عن سبب رفض العملاء حجز المنتجات من الموقع الإلكتروني. رغم أنهم يتعرفون على العلامة وعلى المنتجات والعروض عن طريق الموقع ونتائج البحث. أي أننا نجحنا في الوصول إلى الجمهور المستهدف وإقناعهم بالحجز وأخذوا القرار. وما إن عرفوا ما يكفيهم من المعلومات، اتجهوا إلى المقر وحجزوا الخدمة من هناك، أو اتصلوا بالهاتف، ولكن عدد قليل منهم ينجز الحجز من المتجر الإلكتروني.
مشكلة! هنا نحن نرصد مشكلة جديدة بالفعل، وجاء دور تحليل البيانات لجمع المعلومات واتخاذ القرار الأنسب.
اتجهت إلى أدوات التحليل وجمعت البيانات والإحصائيات. ثم نظرت بنفسي بعين العميل إلى الموقع ومدى سهولة الحجز منه، ودرست الوضع بالكامل وبحثت في سيكولوجية جمهوري وكيف يفكر من يبحث عن هذه الخدمات، أي أنني حللت الوضع بالكامل.

توضح هذه الصورة عدد المستخدمين الذين تصفحوا العروض (عميل محتمل لديه نية للحجز) مقارنةً بعدد المستخدمين الذين أتموا عملية الحجز.

وتوضح هذه الصورة تحليل بيانات الزوار بشكل عام على الموقع. فعندما كنت أرغب في معرفة أي الصفحات أكثر جذبًا وفائدةً للزوار. كنت أستخدم هذه الإحصائيات لكي أتعرف على أداء الزوار عندي واكتسب فرصة لتحسين باقي الصفحات التي لم تنل نفس حظ تلك الصفحات.
حددنا الأسباب
بدأت في وضع الاحتمالات والأسباب، دعني أشاركك:
- لاحظت أن الموقع يعاني من ضعف تقني في جزئية الحجز، أي أنه ليس متطورًا بما يكفي، مما يصعب على بعض فئات الجمهور (التي على مستوى منخفض من الوعي التقني) الحجز على الموقع.
- وجدت أن خدماتنا الطبية لم يعتد الجمهور أن يجد لها متجرًا وسلة مشتريات ودفع إلكتروني، ما يعني أنه لا يألف هذا الأمر ويفضل الابتعاد عنه وسلك الطرق المعروفة.
- وجدت أن لدينا بعض المشاكل التقنية في وسائل التقسيط.
اتخذنا القرارات
بعد جمع كل الاحتمالات بدقة، يأتي دور اتخاذ القرار. وهنا بدأنا في وضع حلول للمشكلة.
- عمل استطلاع رأي للجمهور ليشارك فيه تجربته على الموقع الإلكتروني ويتحدث بنفسه عن مشاكله.
- إصدار حملة توعية تقنية نشرح فيها للجمهور طريقة الحجز من الموقع الإلكتروني.
- زيادة الدعم الفني المباشر لمساعدة العملاء وقت المشكلة في الحال.
- تقديم خصم إضافي على الخدمات عند إتمام الحجز من الموقع.
- تكليف مبرمجين محترفين بحل المشاكل التقنية على الموقع.
- تكليف مصممين مواقع بتحسين واجهة المستخدم لتكون أسهل على العملاء.
هل عندك شك أن بعد هذا المجهود لن يتحسن أداء العملاء على الموقع؟ أتفق معك، فعلًا لا يوجد شك أن هذه الإجراءات سوف تحسن الأداء وتحل المشكلة حتى ولو جزئيًا. وهنا تكمن أهمية تحليل البيانات، يجب أن نقف وندرس الوضع ونرى هل نسير نحو القمة أم أننا ننحدر دون أن ندري. يجب أن نتعلم كيف نضع الاحتمالات والمقترحات مع مراقبة لأداء دوريًا.
عملية تحليل البيانات حيوية ودقيقة ولا غنى عنها، ولن تتقن الأمر من قراءة مقال فقط. كن مثابرًا وتعلم وطبق عمليًا حتى تتقن الأمر لكي يساعدك في مراقبة الأداء الرقمي لأعمالك عبر الإنترنت.