كيفية وضع خطة تسويقية ناجحة لمشروعك الرقمي

خطة تسويقية
خطة تسويقية

لا تسلك مسلكًا في أي حملة تسويقية دون خطة متكاملة، فكيف ترغب أن تنجح دون أن تحدد أهدافك وتحسب خطواتك؟ لا يتحرك عاقل في أي طريق ليس له ملامح سوى بخطة! يجب أن تخالف كل هؤلاء الذين يعملون بعشوائية وتطلب خطتك وتراجعها وتحاسب الجميع بناءً عليها. في هذه المقالة، سنتعلم معًا كيفية وضع خطة تسويقية لمشروعك الرقمي لكي تسير على خطى مدروسة نحو النجاح.

عندما غابت الخطة غابت الشركة!

لن أسرد لك الأهمية هذه المرة في قائمة كما اعتدت مني، ولكني سأحكي لك موقف حقيقي يثبت لك أهمية وضع استراتيجية تسويقية لأي مشروع.

في كل مرة أبدأ عملاً جديدًا داخل شركة، أول ما أطلبه هو الخطة التسويقية التي يفترض أن ترسم ملامح الطريق. لكنني كثيرًا ما كنت أُقابل بنظرات استغراب. وكأنني طلبت شيئًا خارقًا أو غريبًا. يتعامل البعض مع سؤالي كما لو أن التسويق مجرد تنفيذ أفكار عابرة، لا يحتاج إلى تخطيط!

حاولت مرارًا أن أشرح أهمية وجود خطة، أن أظهر أثرها، لكن دون جدوى. فقررت أن أغير الطريقة: لن أجادل، بل سأعمل على إثبات الأمر عمليًا. ركزت جهودي على دفع مدير التسويق الرقمي لوضع استراتيجية واضحة. لم يكن الأمر سهلًا، كل مرة هناك سبب جديد للتأجيل. تارة يماطل، وتارة يحيل الأمر لغيره، وأحيانًا يتكاسل الفريق. أو يدعي أحدهم أن الخطة موجودة فعلًا لكن لا أحد يريني إياها!

غياب الخطة لم يكن غيابًا بريئًا. سرعان ما ظهرت آثاره واضحة للجميع. بدأ الفريق يعمل بلا وجهة، لا أحد يعرف حقًا إلى أين نحن ذاهبون، أو ما المطلوب تحقيقه. تكررت الاجتماعات بلا أي نتيجة، مجرد نقاشات تدور في حلقات مفرغة. صاحب الشركة بدأ يشعر بالقلق. يطالب بإنجازات، لكنه لا يعرف ما يجب إنجازه أصلًا، لأنه لم ير خطة واحدة توضح له الطريق.

بدأ المشروع يترنح. الخسائر تتزايد، الجهود تتبعثر، الوقت يهدر، دون طائل. وأخيرًا، اتخذ صاحب العمل القرار الأصعب: إغلاق المشروع بالكامل. هكذا، بكل بساطة، انتهى مشروع كان يمكن أن ينجح لو وضعت له خارطة طريق منذ البداية. هذه ليست حكاية عن سوء الحظ، بل تجربة عملية شهدتها نفسي وأظهرت لي أهمية وجود الخطة التسويقية لقيادة نمو الشركة.

كيف كانت ستنقذنا الخطة؟

لو أن مدير التسويق بدأ عمله بوضع خطة واضحة، لبدأ أولًا برسم الأهداف الذكية للمشروع، محددة وقابلة للقياس. لم يكن ليكتفي بالشعارات العامة، بل كان سيضع مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) تقيس بدقة مدى التقدم نحو هذه الأهداف. ثم ينتقل لتحليل السوق المستهدف والجمهور المستهدف: من نخاطب؟ وما الذي يميزنا عن غيرنا؟ كيف نضع أنفسنا في مكانة واضحة أمام المنافسين؟ كل هذه المعطيات ستُبنى عليها الخطط الفرعية لبقية الأقسام.

رؤساء الأقسام من محتوى، تصميم، إعلانات، سوشيال ميديا كانوا سيأخذون هذه الخطة التسويقية الرئيسية. ثم يفصلون خططهم الخاصة بما يتماشى مع الإطار العام. كل قسم يعرف ما له وما عليه، وكل فرد في كل فريق يعرف بالضبط المهمة المطلوب منه إنجازها لتحقيق الهدف الأكبر.

تبدأ عجلة العمل بالدوران، ويبدأ الجميع في تنفيذ المهام وفقًا للجدول الزمني والخطوات المدروسة. نحلل البيانات ونتابع الأداء باستمرار. نعرف ما الذي يعمل، وما الذي يحتاج إلى تعديل. وفي نهاية كل شهر، يقدم كل قسم تقريرًا مفصلًا يوضح ما تم تحقيقه مقارنةً بالمطلوب.
تُجمع هذه التقارير في تقرير تسويقي شامل يعدّه مدير التسويق، يظهر فيه بوضوح: أين نحن الآن من أهدافنا؟

هل هناك مشاكل؟ بالتأكيد. لكننا لا نرتبك. نجتمع، نراجع البيانات، نُحدد أسباب الخلل، ونضع الحلول. نُعدل في الخطة، نُعيد التوجيه، ثم نواصل السير من جديد، دون فوضى، ودون ارتجال. وهكذا، تقودنا الخطة لاجتياز التحديات، ونصل بالأداء إلى حيث نريد.

خطوات إعداد خطة تسويقية ناجحة

اتفقنا الآن على أهمية إعداد الخطة التسويقية قبل البدء في أي نشاطة من الأنشطة التسويقية المختلفة للتسويق الرقمي. لكن الخطة ليست مجرد مستند أو جدول، بل هي بناء متكامل يبدأ بفهم الذات وينتهي برسم الطريق نحو تحقيق الأهداف. فما هي خطوات إعداد خطة تسويقية ناجحة فعلًا؟ لنبدأ من الأساس.

خطوات إنشاء خطة تسويقية

تحليل الوضع الحالي

لكي تتمكن من وضع الأهداف المناسبة والدقيقة، يجب أن تعرف من أنت؟ ما هي رؤيتك؟ كما يجب أن تحدد هوية علامتك التجارية، ونبرة محتواك التسويقي التي تناسب استهدافك. بعد أن تجب عن كل الأسئلة السابقة في نقاط واضحة ووافية، يجب أن تنشئ  تحليل SWOT (نقاط القوة – الضعف – الفرص – التهديدات).

دراسة السوق والمنافسين

يتأثر كل مشروع بعوامل خارجية محيطة مثل التغيرات التقنية وسلوك المستهلكين والتوجهات الحديثة. ومن خلال دراسة السوق وتحليل المنافسين. ستتعرف على نقاط قوتهم وضعفهم، وتُحدد موقع المشروع ضمن الخريطة التنافسية. حتى تتمكن من رصد الفجوات المتروكة في السوق واقتناصها لصناعة ميزة تنافسية حقيقية.

تحديد شخصية العميل (Buyer Persona)

عند إعداد شخصية العميل، فإنك لا تبحث فقط عن جمهور عام، بل تسعى لرسم ملامح دقيقة لشخص حقيقي يُجسّد عميلك المثالي. تبدأ بتحديد من تستهدف تحديدًا، وما نوع القرارات التي تأمل أن يتخذها لصالحك. تسأل نفسك: أين يعيش؟ ما هي لغته؟ كيف يتحدث ويتفاعل؟ ثم تنتقل إلى تتبّع سلوكه الرقمي: على أي منصات يقضي وقته؟ وأين يتفاعل أكثر؟

بعد ذلك يجب أن تفهم فئته العمرية، وطبقته الاقتصادية، وطريقة تفكيره وسلوكياته الشرائية: ما الذي يحفزه للشراء؟ كيف يتخذ القرار؟ ومتى يُفضل الإقدام على خطوة الشراء؟ ولكي تكتمل الصورة، تحاول فهم احتياجاته الفعلية، التحديات التي يواجهها، والأهداف التي يسعى لتحقيقها. كل إجابة عن هذه الأسئلة تقربك أكثر من بناء استراتيجية تسويقية دقيقة وفعالة، تخاطب عميلك بلغته، وتقدم له ما يحتاجه في الوقت والمكان المناسبين.

تحديد الأهداف التسويقية الذكية (Smart  Goals)

بعد أن حددت موقعك وتوجهك، الآن يمكنك وضع أهدافك التسويقية الذكية (محددة – قابلة للقياس – واقعية – مرتبطة بالزمن). وبعد تحديد الأهداف، ضع مؤشرات قياس الأداء الرئيسية KPIs لكل هدف.

تحديد القنوات التسويقية المناسبة

بناءً على تحليل جمهورك وأماكن وجوده، حدد المنصات التسويقية التي توجد عليها وتنشر محتواك لكي تظهر له ويتفاعل معك، مثل: انستقرام، فيسبوك، أو مدونات، أو تسويق عبر بريد إلكتروني، أو حملات إعلانية.

تحديد الرسائل التسويقية الرئيسية

تعتبر هذه الخطوة هي التمهيد قبل صناعة المحتوى، ويمكن أن نسميها الأفكار التي تناسبك وتناسب توجهك وجمهورك والتي يمكنك استخدامها على مدار حملتك التسويقية. 

بناء خطة المحتوى

لا يبدأ المحتوى بالتقويم أو شيت المنشورات أو المقالات، بل له خطة فرعية من الخطة التسويقية، يكون فيها أهداف المحتوى وأنواعه ومنصات نشره وتوقيته، وأنواع التصميمات (المحتوى المرئي) المناسبة لكل نوع. يندرج تحت خطة المحتوى تقويم محتوى أسبوعي أو شهري بالمحتوى الفعلي الجاهز للمراجعة والتصميم.

تحديد الميزانية التسويقية

إن كانت خطتنا التسويقية تشمل حملات إعلانية مدفوعة فيجب أن تحدد كم ستصرف؟ ما هي القنوات التي ستعلن عليها؟ ما هي الأدوات المستخدمة وتكاليفها؟ لذا يجب أن تضع خطة مالية محكمة تغطي تكاليف تشغيل الخطة التسويقية.

تحديد المهام والأدوار

بعد إتمام الخطة أو الاستراتيجية إن كانت طويلة الأمد، يأتي دور الخطة التشغيلية، وفيها نحدد المهام والأشخاص المسؤولين عنها ومواعيد التسليم وإطار تتابع العمل وسيره بشكل متواتر ومتجدد على المدى القريب.

وهكذا نكون أعددنا الخطة التسويقية المؤهلة للنجاح إذا اتسمنا بالمرونة والتكيف والتعاون، تجهزنا لتحليل البيانات وقياس الأداء وإعداد التقارير الدورية لنعرف ما هي الأهداف التي حققناها وما هي الأهداف التي عجزنا عن تحقيقها، وما هي أسباب العجز، ونتشارك في استخراج الأسباب ووضع الحلول ومعاودة العمل الجاد لتحقيق أهدافنا.